يُواجه الاقتصادي المغربي في السنوات الأخيرة تحديات متزايدة تتمثل في تزايد الاعتماد على دعم الاستيراد لتلبية احتياجات السوق المحلية من مجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من المواد الغذائية الأساسية وصولًا إلى المنتجات الزراعية الصناعية، هذه الظاهرة، وإن كانت تعكس ديناميكية العرض والطلب على المستوى العالمي، إلا أنها تطرح تساؤلات جدية حول انعكاساتها على الاقتصاد الوطني والمنتوج المحلي.
وتؤكد البيانات المتوفرة، أن المغرب عمل على دعم استيراد مجموعة من المنتجات إما من خلال خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية أو دعم الجهات المستوردة، وعلى رأس هذه المنتجات نجد اللحوم الحمراء والبيضاء، والحبوب وزيت الزيتون ناهيك عن وجود دعوات من أجل إعفاء القطاني وصغار الدجاج المستوردة أيضا من الرسوم الجمركية، فيما انتقد مهنيون الأصوات الداعية إلى خفض الرسوم الجمركية على العسل.
وأعلنت الحكومة، أن السلطات المختصة عالجت طلبات لاستيراد ما يقارب 10 آلاف طن من اللحوم الحمراء، في خطوة تهدف إلى تعزيز العرض المحلي وخفض الأسعار.فيما يسعى المغرب لتقوية استيراده من أجل توفير عرض يفوق الطلب وبأسعار مناسبة، برزت تحديات تؤثر على المنتجين المحليين، مثل تخفيض الحكومة لرسوم استيراد العسل من 40% إلى 2.5%، وهو ما أثار مخاوف مربّي النحل الذين حذروا من “آثار قوية” على الإنتاج المحلي، وضرر بالغ على التعاونيات والشركات.
وإلى جانب ذلك، يواصل المغرب استيراد القمح لتلبية احتياجاته الغذائية، فيما دعا مهنيون إلى استيراد القطاني وخفض الرسوم الجمركية أجل تلبية الطلب المتزايد خلال فصل الشتاء مما يسلط الضوء على أهمية تحقيق توازن بين الاستيراد ودعم المنتجين المحليين.
الانتقال نحو دعم الاستيراد بشكل مكثف، يثير حسب خبراء مخاوف بشأن قدرة الاقتصاد المغربي على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتأثيره على الميزان التجاري، وتشجيع الإنتاج المحلي، فمن جهة، يساهم الاستيراد في توفير السلع بأسعار تنافسية وتلبية احتياجات المستهلكين المتزايدة، ولكن من جهة أخرى، فإنه يضع ضغوطًا على العملة الصعبة ويحد من قدرة المنتجين المحليين على المنافسة، مما قد يؤدي إلى تراجع دور القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد الوطني.
المحلل الاقتصادي محمد جدري، أكد في هذا الإطار، أن الاقتصاد الوطني المغربي، يواجه اليوم تحديات كبيرة نتيجة سنوات الجفاف التي ضربت البلاد بشدة، موضحا ضمن تصريح لجريدة “العمق”، أن هذه الظروف أثرت سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى وفرة مجموعة من السلع الأساسية في السوق الوطنية، مما يتطلب اتخاذ إجراءات فورية ومستدامة لمواجهة الوضع.
وسجل جدري ضرورة العمل على خطين متوازيين لمواجهة تداعيات هذه الأزمة، الأول يتمثل في تزويد السوق الوطنية بشكل عاجل بالمواد الأساسية، مثل اللحوم الحمراء وزيت الزيتون، عبر إعفاءات جمركية تضمن توفر هذه السلع بأسعار معقولة، بينما يركز الخط الثاني، على دعم المنتجين المحليين، من خلال إعادة جدولة ديونهم، وتمكينهم من التمويلات البنكية الضرورية لضمان استمرار إنتاجهم وقدرتهم على تزويد السوق المحلية بالسلع الأساسية.
وشدد جدري على أن الإجراءات الحالية، مثل خفض الرسوم الجمركية على بعض المواد الغذائية، لتشجيع الاستيراد يجب أن تكون مؤقتا ولا يتجاوز سنة 2025، لكنه نبه إلى أن الاعتماد المطول على الاستيراد دون تقديم الدعم الكافي للمنتجين المغاربة، قد يؤدي إلى فقدان السيادة الغذائية، وهو سيناريو يجب تجنبه بأي ثمن.
ورغم أهمية التدابير التي تم اتخاذها، مثل خفض أسعار اللحوم الحمراء وزيت الزيتون، يرى المحلل الاقتصادي، أن المنتجين المحليين بحاجة إلى دعم إضافي للعودة إلى مستويات الإنتاج التي كانت سائدة قبل جائحة كورونا، مؤكدا أن هذا الدعم سيكون ضروريًا لضمان استمرارية توفير السوق الوطنية بمنتجات أساسية مثل الخضر، الفواكه، اللحوم الحمراء والبيضاء، زيت الزيتون، الأرز، وغيرها، بأسعار تناسب القدرة الشرائية للمواطنين وبطريقة متكاملة ومستدامة.
ودعا جدري، إلى تبني رؤية متوازنة تجمع بين الحلول السريعة لدعم السوق الوطنية والإجراءات الطويلة الأمد لتعزيز الإنتاج المحلي، بما يضمن تحقيق الأمن الغذائي للمملكة واستدامة اقتصادها الوطني.
0 تعليق