أخبار عاجلة

السنوار أيقونة النضال الإسلامي والإنساني - الآن نيوز

أتى استشهاد القائد يحيى السنوار بعد زهاء عام على هندسته لعملية طوفان الأقصى المبارك، الذي يعتبر انعطافة هامة في تاريخ القضية الفلسطينة و تطورها و مركزيتها على الصعيدين الإسلامي و العالمي،اذ انتقل بها من هامش الظل الذي فرض عليها لصالح قطار التطبيع الذي بدأ يدهس المنطقة،قاتلا طموحات الأمة في التحرير و الانعتاق و الكرامة و صادما لوعيها لاشتغال مهندسيه على إعادة تشكيل التصورات و المفاهيم التي تربط المواطن العربي من المحيط إلى الخليج بالكيان الصهيوني المحتل.

لذلك يمكن القول إنه لو لم يكن للقائد يحيى السنوار إلا شرف التخطيط و إعطاء الأمر لعبور و اقتحام الأسوار العازلة يوم 7 أكتوبر في عملية قلبت معادلة الشرق و الغرب،و جعلت العالم الغربي يقف وقفة رجل واحد لنجدة الكيان و إعطاءه الضوء الأخضر لعملية الإبادة التي لم يسلم منها الانسان و الجماد و الحيوان، لتنهار كل الشعارات التي سعى الغرب عقودا لأجل ترويجها و فرضها على الصعيد العالمي بوسائل مختلفة، وتنكشف أيضا بذلك الخطط الاستعمارية للتحالف المسيحي الصهوني و دوافعه الحقيقية في السيطرة على المنطقة و التي يرجع تاريخها للحملات الصليبية ،لاستحق أن يدخل بذلك تاريخ أبطال الأمة الإسلامية.

إن ارتقاء القادة في التاريخ عموما و الاسلامي خصوصا و الذي ترتبط فيه الشهادة بمعان إيمانية عميقة لم يكن يوما إيذانا بنهاية الرسالة التي يضطلعون بها على العكس من ذلك، بل شرارة إلهام لمن بعدهم لاتمام المسيرة و تحقيق الأهداف المسطرة لها، و من ثم فالسنوار رحمه الله تحول عكس ما يطلبه أعداؤه إلى رمز يحتل مكانه بين المجاهدين العظام في الأمة كصلاح الدين الأيوبي و عمر المختار و عبد الكريم الخطابي و غيرهم،و كذلك مصاف المناضلين الأممين كتشي غيفارا و نيلسون مانديلا،و من خلال الأسطر القادمة سأحاول رصد المعالم الإسلامية و الانسانية لهذه الأيقونة المتجسدة في المشهد الأخير له قبل مغادرته لمسرح الحياة و هو يرمي بعصاه في وجه طائرة مسيرة،لتلقف أكاذيب المدنية المادية و تجلياتها التقنية.

السنوار: السيرة،الفكرة،و المشروع

تعطي الكلمات الأولى للشهيد السنوار عند خروجه من سجون الكيان الصهيوني لرفقاء دربه في الكفاح و السلاح، انطباعا عن الرجل و عقليته و طموحاته، حيث يذكر الدكتور طارق حمود أن الرجل فأجأ بعض مقربيه بالسؤال :”لماذا لم تحرروا فلسطين بعد؟”،هذا السؤال غير متوقع من رجل قضى 23 سنة وراء الأسوار ،و من حقه في نظر البعض أن ينعم بقسط من الراحة و الحياة الهنيئة.

لكن السنوار ابن مخيم خان يونس لاسرة نازحة من مدينة مجدل (عسقلان)،و الذي فتح عينيه على صور الظلم الإسرائيلي و طغيانه،تركزت في ذهنه فكرة وحيدة هي التخلص من هذا الاحتلال و بالخاوة بتعبيره، لتبرز فيه الصفات القيادية أثناء دراسته الجامعية و في وقت مبكر حيث أشرف على الجناح الطلابي، ثم تأسيس جهاز مجد لكشف الجواسيس، ليعتقل بعد ذلك سنة 1988 على خلفية اتهامه باختطاف وقتل جنديين إسرائيليين، وقتل 4 فلسطينيين يشتبه في عمالتهم للكيان، وصدرت في حقه 4 مؤبدات (مدتها 426 عاما).

لم تنل مرحلة السجن نفسها من رغبته في معانقة الحرية، فقد حاول الفرار مرتين،و قاد المواجهة مع جهاز السجون في أكثر من محطة، ثم المفاوضات في ملف شاليط الذي انتهى بالافراج عنه، ليضرب وعدا لمن بقي بعده أنه لن يدعهم في السجن.

السنوار كما يصفه القيادي عبد الكريم حنيني بالعقل الاستخباراتي و القارئ النهم و القائد المتواضع، كانت تشغله فكرة مركزية هي إنهاء الإحتلال و دفعه عن أرض فلسطين،بناء على عقيدة راسخة و تربية إيمانية على يد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله- هذه اليد المتوضئة التي صنعت رجالا يؤمنون بوعد الآخرة و الجوس خلال الديار-،و معايشة عن كثب للاسرائيلي فردا و سجانا و محتلا،فانسجمت صفاته مع مشروعه في لحظاته الأخيرة بعدما استشهد و عينه على الأقصى و في غفلة من أجهزة الاستخبارات العالمية،حاملا معه كتيب الأذكار،في صحبة رجلين لم تستطع قوات الاحتلال تمييزه من بينهم و هو المطلوب عالميا.
السنوار و إحياء الذاكرة و الوجدان

يمكن تلخيص أزمة الأمة اليوم في غياب القدوات المجسدين لقيم الأصالة و الممانعة و التمسك بالتوابث الدينية و الوطنية في عصر السيولة القيمية و المعرفية، مما ينعكس على الجيل الناشئ خصوصا في الدول الاسلامية التي تنعم بالأمن و الاستقرار لمدة طويلة.
فيأتي هذا الحدث الممانع ملهبا للذاكرة الشعبية في استحضارالتاريخ الاستعماري للغرب بالمنطقة،و إحياء نضالاتها و رموزها،فالفعل المقاوم في فلسطين منذ 1948م، ليس بدعا مما عرفته جميع الدول التي تحررت من نير الاستعمار رغم وحشيته و عدوانه و محاولاته للتهجير القسري مقدمة في ذلك تضحيات الآلاف من الشهداء و الجرحى.

و من جهة أخرى إحياء الوجدان الاسلامي العام بربط الطوفان بالمسجد الأقصى و دلالته في الريادة الحضارية الإسلامية، فارتباط هذا الأخير بحادثة الإسراء و المعراج المثقلة بالإشارات إلى خاتمية الرسالة المحمدية و تدشين عهد قيادتها القيمية و الشهودية و الشهادية،كان كفيلا بتجدد النقاش حول القدس و تاريخها و تصويب البوصلة نحوها باعتبارها القضية الرئيسية للأمة،و لفت الانتباه لحجم المؤامرات التي تحاك ضدها لتهويدها و تسليمها للصهاينة من قبل ف الأنظمة الغربية و أشياعها.

عصا السنوار و تفكيك الخطابات التنويرية :

إن التأمل في مسار الرجل و تكوينه و أعماله يحيلنا على طينة من الرجال صنيعة التربية على الايمان بالله تعالى في محاضن القرآن الكريم ،و ما تغرسه هذه الأخيرة من معاني الاباء و العزة و الفداء و الجهاد دفاعا عن المقدسات ،رغم سيل الخطابات الموظفة في العالم العربي الاسلامي في العقدين الآخيرين و التي سعت لنسفها –أي المفاهيم القرآنية الإيمانية – و تحويرها تحت مسميات عديدة من قبيل التنوير و التحديث و عصرنة الإسلام،و من تم يمكن اعتبار هذا الارتقاء السنواري جوابا تفكيكيا لهذه الخطابات،و محاولة لبعث روح قديمة جديدة في أوصال شباب الأمة الذي يقصف يوميا بخطاب مهلهل يروم حصر الدين في النطاق العباداتي الفردي، لاعلاقة له بالشأن العام ، و لا موقع له في صياغة الرؤية الوجودية للفرد.

إن المتأمل في الخطاب التنويري العربي و خصوصا المرتمي في أحضان الغرب،و الساعي للتماهي و الذوبان معه فكرا و منهجا و سلوكا،نجده يعكف على إخراج نسخة من الإسلام الحداثي المستكين الغارق في التصوف السلبي الطقوسي و المبشر بالصلاح الفردي و السلام الذاتي ،بعيدا عن قضايا الأمة الكبرى و المفصلية .

عصا السنوار في وجه الاستعلاء الغربي:

يمكن عنونة القرون الثلاثة الأخيرة بقرون الاستعلاء الغربي المؤسس على مكتسبات الحداثة و الفلسفات المنبثقة عنها، و التي تتمركز حول الانسان الغربي الأبيض فاتحة له أبواب التحرر و الانطلاق في عالم المال و الأعمال و الأفكار،لتشطر العالم إلى نصفين الأول الغرب : الذي يمثل قيم التقدم و التحضر و الديمقراطية،و الآخر الشرقي رمز للتخلف و الجهل و الاستبداد و الوحشية و البربرية.
هذه الاقتناعات المستترة و المفعمة بروح الحروب الصليبية،كشف عنها الطوفان،لتأتي عصا السنوار عاصفة بمنجزات المدنية الغربية (طائرة الدرون) التي توظف للفتك بمن يصرخ في وجهها ” لا و ألف لا”.

هذه اللاءة الرافضة التي ترفعها أصوات في الشرق و الغرب معا،سئمت هذه العنجهية و الغطرسة التي يقودها صناع النظام العالمي الجديد، جسدها السنوار وحده بكوفيته الفلسطينية ،صارخا في وجهها و دافعا لها و لرغبتها في تركيع الشعوب التي تفكر في الخروج عن الطوق،و تقرير مصيرها.

ختاما،هذه قراءتي للمشهد السنواري الأخير، و أعلم أن هذا مضمار مفتوح لذوي الحجى للسياحة في دلالاته و رموزه و محاولة تفكيكها و تحليلها ،و شحنها بالمعاني التي دارت حولها حياة الرجل، إلا أني أكاد أجزم أن صورة السنوار سترفع كأيقونة للنضال و الثورة و لاجيال قادمة ،مستحضرا هنا كلمة عمر المختار للمحقق الايطالي –الذي لا يحفل أحد باسمه- حين قال :” “نحن لا نستسلم..

ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي”، فعصا السنوار سيتلقفها من بعده من سيحقق رسالة السنوار في تحرير الأرض و الصلاة في الأقصى.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ترامب يقدم على تعيين سيدخل التاريخ الأمريكي - الآن نيوز
التالى وسيط المملكة يعلن انتهاء التوتر بكليات الطب ويدعو لتنزيل ما تم التوافق عليه - الآن نيوز