اعتبر تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول سياسات الاستثمار بالمغرب، أن المملكة تعد إحدى الوجهات الأكثر ملاءمة للاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة وأن التحسينات الكبيرة في مناخ الأعمال والبنية التحتية، إلى جانب الاستقرار الاقتصادي والسياسي، ساهمت في تحفيز الاستثمارات والنمو في القطاعات ذات الإنتاجية العالية ضمن سلاسل القيمة العالمية.
وأكد التقرير التزام المملكة بتحديث القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار، موضحا أن المصادقة على الميثاق الجديد للاستثمار، في إطار النموذج التنموي الجديد، أعطى دفعة جديدة لمناخ الاستثمار في المغرب، كما أسهمت وتيرة الإصلاح المتسارعة للقوانين المرتبطة بحقوق الأعمال في جعل البلاد وجهة جذابة وآمنة للمستثمرين الأجانب.
وأضاف المصدر ذاته أن أن %70 من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتركز في خمس مناطق بالمغرب (الدار البيضاء-سطات، طنجة-تطوان-الحسيمة، فاس-مكناس، الرباط-سلا-القنيطرة ومراكش-آسفي)، كما أن 70% من الوظائف تتركز في هذه المناطق الخمس.
وأشارت المنظمة إلى أن معدل النشاط الاقتصادي في المغرب هو 45%، وهو أقل من متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، موضحا أن الشركات المغربية أنفقت حوالي 40% من استثماراتها على تطوير عملياتها وخدماتها الرقمية بين عامي 2021 و2022، فيما بلغت نسبة الاستثمارات الاستراتيجية للشركات في المناطق الاقتصادية الخاصة في المغرب هي 75%.
وأردفت الوثيقة أن إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب بلغت 61% من مستثمرين أوروبيين و25% من مستثمرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينما وصلت عائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب 16.2 مليار درهم مغربي، بزيادة قدرها 20% مقارنة بعام 2023.
وعلى الرغم من تنوع القطاعات المستقطبة للاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب، إلا أن تركيز هذا الاستثمار على عدد محدود من البلدان يمثل تحديًا كبيرًا وفقا للتقرير، ففي عام 2022 مثلت فرنسا والإمارات العربية المتحدة وإسبانيا مجتمعة حوالي 57% من إجمالي مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد.
وحسب المصدر ذاته فإن هذا التركيز العالي يجعل الاقتصاد المغربي عرضة للتأثيرات السلبية للتطورات الاقتصادية والسياسية في هذه الدول، مما يهدد استقراره ونموه، وللتخفيف من هذه المخاطر، يجب على المغرب تنويع مصادر الاستثمار، والسعي لجذب استثمارات من دول أخرى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأشار التقرير المذكور إلى أن المغرب نفذ سلسلة من الإصلاحات الهادفة إلى تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الرقمي، ومع ذلك، أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى وجود بعض التحديات الهيكلية التي تعوق استكمال هذه الإصلاحات.
وأضاف أنه ورغم تأكيد الهيئات الحكومية العليا على أهمية التحول الرقمي وتبسيط الإجراءات، إلا أن تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع في المؤسسات الحكومية المركزية والجهوية لا يزال يواجه تحديات كبيرة. فبينما تسعى الحكومة جاهدة لتبسيط الإجراءات الإدارية، تفويض الصلاحيات، ودعم الاستثمار، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب جهودًا مضاعفة لرفع كفاءات الموظفين العموميين على جميع المستويات.
وحسب المعطيات فإن تحقيق تنمية مستدامة في جميع أنحاء المغرب، يجب أن يكون مشروع الجهوية المتقدمة ناجحًا، وهذا يتطلب، من بين أمور أخرى، تقديم الدعم اللازم للشركات لتكييف أنشطتها مع المتطلبات الجديدة، وتحسين الإجراءات التشغيلية وجذب الاستثمارات.
وشددت “OCDE” على ضرورة مواصلة وتعميق الإصلاحات الجارية لضمان استدامة التحسن في مناخ الاستثمار وتوسيع نطاق المستفيدين من هذه الإصلاحات، بما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، يمكن للدولة أن تبادر إلى تحديث القوانين المتعلقة بنزع الملكية والنظام العقاري لتعزيز جاذبية الاستثمار.
ويمكن للحكومة أن تعزز جهودها لجذب استثمارات ذات قيمة مضافة عالية، وذلك من خلال التركيز على القطاعات التي تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل القطاعات منخفضة الكربون والقطاعات الرقمية التي تخلق فرص عمل نوعية.
ولتحقيق أقصى استفادة من الإصلاحات، أكدت المنظمة على وجوب أن تشمل الإصلاحات جميع القطاعات والمؤسسات، وأن يتم تنفيذها بشكل شامل وبما يضمن مشاركة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني.
وبناءً على ذلك، من المهم تقديم الدعم للمستثمرين والمستهلكين وتوعيتهم بالسياسات المستحدثة، مع التركيز على التوجه المتزايد نحو الرقمنة وتعزيز الحوكمة اللامركزية في سياسات الاستثمار، وفي هذا الإطار، ينبغي على الحكومة الاستمرار في جهودها لتحسين تنسيق الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية في مجالات الاستثمار والتنمية الترابية والخطط القطاعية.
وذكرت الدراسة أن الشركات الأجنبية العاملة في المغرب تتفوق على نظيراتها المحلية في مجالات الابتكار والتجارة الدولية، ومع ذلك تختلف مساهمتهما في زيادة الإنتاجية وتحسين الأجور، ولسد هذه الفجوة، يجب التركيز على تعزيز قدرات الشركات المحلية لتمكينها من المشاركة بفعالية في سلاسل القيمة العالمية، والاستفادة من الخبرات والمعارف التي تتمتع بها الشركات الأجنبية.