بلال لمراوي
تطرح قضية الإضراب جدلية بين استمرارية المرفق العام وما يقتضيه من حق المرتفقين من الاستفادة من خدمات المرفق.. سواء كان هذا المرفق يقدم خدمة عامة أو خدمة خاصة.. وأيضا وجود حق أصيل للموظف أكان ينتمي للقطاع العام أو الخاص في أن يعبر عن رفضه لما قد يشكل عبئا على مركزه الإداري والقانوني والمادي.. والذي من حقه أيضا المطالبة بظروف أفضل تضمن له الحياة الكريمة.
أمام هاته الجدلية يجب أن يتدخل المشرع لتنظيم هذه الحالة وجعل أي فعل احتجاجي يخضع للاعتبارات المذكورة. فكما للموظف الحق في التعبير عن امتعاضه وسخطه واحتجاجه بشتى الأشكال الممكنة.. فللمواطن أيضا الحق في أن يستفيد من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها بمقتضى هاته المواطنة.
#أجوبة المشرع
لهذا السبب، ربط المشرع الدستوري الحق في الإضراب بضرورة وجود قانون تنظيمي يؤطره.. لكن هنا يتبادر إلينا السؤال الآتي: هل مشروع القانون التنظيمي الحالي المعروض أمامنا يوازن بين الجدلية التي ذكرناها في أول المقال.. أي ما بين استمرارية المرفق العام والخاص في بعض القطاعات والمساواة في الحصول على الخدمة العامة والخاصة.. وبين حق الشغيلة بصفة عامة في النضال من أجل تحسين وضعها والطموح في وضع اجتماعي يحقق سبل العيش الكريم والترقي الاجتماعي.؟
هذا ما لا اعتقده، خصوصا وأن التجارب السابقة، أو بالأحرى البعض منها، أن القوانين التنظيمية دائما ما لا تحقق بشكل قوي ما تصبو إليه المقتضيات الدستورية. بالإضافة إلى الطابع الزجري التخويفي لمشروع قانون الإضراب. ولهذا فإن المشروع، إن بقي دون تنقيح أو تراجع عن العديد من هذه المقتضيات التي تحمل صبغة التهديد والوعيد.. في حالة مخالفة بعض مقتضياته، ستتقوى بعض الاشكال الاحتجاجية غير المؤطرة لا بالزمان ولا بالمكان.. ولا بالصفة.
#بدائل غير مؤطرة
إن الذي يحتج على وضعه الاجتماعي والاداري المحض حينما سيلتف حول عنقه حبل قانون الاضراب.. سيبحث عن فضاءات أخرى ليحتج ويعبر بها عن سخطه وتذمره متحررا من سلطة إدارته التي تتحين الفرصة لتردعه قانونيا.. حيث أن فضائه الأصلي وهو إدارته التي يشتغل بها صارت بالنسبة له مجرد سجن، إن صح هذا التعبير، لا يستطيع أن يتحرك في أي فعل احتجاجي.. دون أن يفكر في تبعات مع قد يطاله من زجر موجود في القانون، وستختلط الأصوات حيث سيتجمع كل هارب من سجن هذا القانون إلى فضاءات أرحب.. وأبرزها هو الشارع الذي سيجمع الجميع وسيستغله هواة الركوب وتصفيه الحسابات مع الوطن لما يخدم اجنداتهم غير البريئة.. وهنا سيتحول الخطاب الاحتجاجي إلى خطاب تحريضي هجومي بدل أن يظل في قوالبه الكلاسيكية وداخل مؤسساته الوظيفية.
لهذا على القائمين على أمر هذا الملف أن يلتقط الإشارة.. لأن ما تصنعه الآن ظنا منك أنك ستحقق به الاستقرار السياسي والأمني والهدوء العام.. سيكون ذلك الهدوء الذي سيسبق العاصفة، وفي الغالب لا يمكن توقع مخلفات العواصف وردات الفعل العفوية والمؤطرة.
0 تعليق