الجمعة 01/نوفمبر/2024 - 07:26 ص 11/1/2024 7:26:01 AM
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 1 نوفمبر 2024م، الموافق 29 ربيع الآخر 1446، التي جاءت تحت عنوان "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".
وأكدت وزارة الأوقاف أنه على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
موضوع خطبة الجمعة اليوم 1 نوفمبر 2024
“وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ”
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَمَا تَقُولُ، وَلَكَ الحَمْدُ خَيْرًا مِمَّا نَقُولُ، سُبْحَانَكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، إلهًا أَحَدًا فَرْدًا صَمَدًا، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ الحَضَارَةَ بِنَاءٌ مُتَكَامِلٌ أَسَاسُهُ القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ وَالاقْتِصَادِيَّةُ والعِلْمِيَّةُ وَالأَخْلَاقِيَّةُ، وَالمتأَمِّلُ فِي قَوْلِ الحَقِّ سُبْحَانَهُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} يُدْرِكُ أَنَّ سِرَّ عُمُومِ لَفْظَةَِ (قُوَّة) فِي هَذَا الخِطَابِ القُرْآنِيِّ المُنِيرِ هُوَ بَيَانُ اتِّسَاعِ وَتَعَدُّدِ أَسْبَابِ القُوَّةِ الَّتِي أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نُعِدَّهَا وَنَرْصُدَهَا لمواجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ، وَأَنَّ مَنَاطَ هَذِهِ القُوَّةِ هُوَ البِنَاءُ الحَقُّ لِلْإِنْسَانِ الَّذِي يُقَدِّمُ لِلدُّنْيَا العُمْرَانَ وَالأَمَانَ وَالعِلْمَ وَالفِكْرَ وَالنُّورَ وَالبَصِيرَةَ، قَبَسٌ مِنَ الحِكْمَةِ يَحْمِلُه، وَسِرَاجٌ مِنَ النُّورِ وَالبَصِيرَةِ يَسْعَى بِه، وَنفَسٌ مِنَ الهِمَّةِ وَالنُّورِ وَالعِلْمِ يَسْرِي بِهِ فِي النَّاسِ.
أَيُّهَا النَّاسُ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، وَاعْلَمُوا أَنَّ كَلِمَةَ القُوَّةِ تَقْتَضِي اسْتِنْفَارَ الهِمَمِ، وَتَشْغِيلَ العُقُولِ، وَاسْتِخْرَاجَ الموَاهِبِ، وَالقَفْزَ إِلَى نَمَطٍ رَفِيعٍ مِنَ الإِبْدَاعِ فِي عِلَاجِ الأَزَمَاتِ، فَتَأْمَنُ بِهِ المُجْتَمَعَاتُ وَتَنْهَضُ بِهِ المؤسَّسَاتُ، وَتُحمَى بِهِ الأَوْطَانُ، وَيَمْتَدُّ بِهِ العُمْرَانُ وَيُكَرَّم بِهِ الإِنْسَانُ.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، وَاعْلَمُوا أَنَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ قَدْ أَسَّسَ لِقَضِيَّةِ قُوَّةِ المعْرِفَةِ وَقُوَّةِ العِلْمِ وَقُوَّةِ العُقُولِ وَالإِبْدَاعِ تَأْسِيسًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَشْغِيلُ الهِمَمِ وَاسْتِثْمَارُ الطَّاقَاتِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، فَلَمْ يَكْتَفِ البَيَانُ القُرْآنِيُّ الحَكِيمُ بِطَاقَةِ الأَمْرِ وَالإِلْزَامِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {خُذ}، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُحَرِّكَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ هِمَمًا فِي قُلُوبِ العِبَادِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ} بِهِمَّةٍ، بِشَغَفٍ، بِإِقْبَالٍ، بِحِرْصٍ، بِاهْتِمَامٍ، وَللهِ دَرُّ القَائِلِ:
تَعَلَّم العِلْمَ وَاقْرَأْ تَحُزْ فَخَارَ النَّبُوَّة * فَاللهُ قَالَ لِيَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّة
أَيُّهَا النَّاسُ! فَلنُحَوِّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ} إِلَى شِعَارٍ تَسْتَنِيرُ بِهِ أُمَّةٌ يَسْرِي العِلْمُ فِي أَوْصَاِلَها كَمَا يَسْرِي الماءُ فِي الوَرْدِ، أُمَّةٌ قدَّمَتْ لِلدُّنْيَا الاخْتِرَاعَاتِ وَالاكْتِشَافَاتِ الطِّبِّيَّةَ وَالهَنْدَسِيَّةَ وَالكِيمْيَائِيَّةَ وَالفِيزْيَائِيَّةَ وَغَيْرَهَا، فَأَقَامَتْ حَضَارَةً أَوْرثَتْ سَعَادَةً وَهَنَاءً لِلْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، وَاسْأَلُوا العَالَمَ عَنْ جَابِرِ بْنِ حَيَّان، وَابْنِ الهَيْثَم، وَالخَوَارِزْمِيِّ، لِتُدْرِكُوا مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
أَمَّا عَنِ القُوَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ فَحَدِّثْ وَلَا حَرَج، فَكَمْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى تِلْكَ الأُمَّةِ مِنْ مَوَارِدَ وَمِنَحٍ وَخَيْرَاتٍ وَخِبْرَاتٍ، تَحْتَاجُ إِلَى الحِفَاظِ عَلَيْهَا وَاسْتِثْمَارِهَا وَاسْتِغْلَالِ الكَفَاءَاتِ فِي إِدَارَتِهَا، لِلْخُرُوجِ مِنْ حَالَةِ غُثَاءِ السَّيْلِ إِلَى حَالَةِ العَمَلِ وَالإِنْتَاجِ وَاسْتِثْمَارِ كُلِّ مَوْرِدٍ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَلَوْ كَانَ فَسِيلَةً، يَقُولُ نَبِيُّنَا الكَرِيمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُم فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا».
***
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ القُوَّةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِإِعْدَادِهَا القُوَّةَ الأَخْلَاقِيَّةَ، فَكَمْ فَتَحَتْ أَخْلَاقُ تُجَّارِ المسْلِمِينَ قُلُوبَ النَّاسِ وَعُقُولَـهُمْ، فَدَخَلَتْ شُعُوبٌ مِنَ الأَرْضِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، وَكَمْ جَسَّدَتْ قُوَّةُ الأَخْلَاقِ المحَمَّدِيَّةِ الشَّرِيفَةِ التَّعَايُشَ وَالتَّكَامُلَ بَيْنَ الحَضَارَاتِ؛ تَحْقِيقًا لِهَذَا المَبْدَأِ القُرْآنِيِّ {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وَتَبْقَى قُوَّةُ الجُيُوشِ النِّظَامِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ الَّتِي تَحْمِي الأَرْضَ وَالعِرْضَ- وَفِي القَلْبِ مِنْهَا جَيْشُنَا المِصْرِيُّ الأَبِيُّ خَيْرُ أَجْنَادِ الأَرْضِ- أَظْهَرَ صُوَرِ القُوَّةِ وَأَعْظَمَهَا، فَقَدْ تَجَمَّعَتْ فِيهَا جَمِيعُ أَسْبَابِ القُوَّةِ البَشَرِيَّةِ وَالاقْتِصَادِيَّةِ والعِلْمِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ، فَصَارَتْ هِيَ الدِّرْعَ وَالسَّيْفَ، الَّتِي تَبْسُطُ عَلَى النَّاسِ الاسْتِقْرَارَ وَالأَمْنَ وَالأَمَانَ.
أَيُّهَا النَّاسُ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، وَاعْلَمُوا أَنَّ القُوَّةَ بِنَاءٌ شَامِخٌ، قِوَامُهُ عُقُولٌ مُبْدِعَةٌ، وَعُلُومٌ سَارِيَةٌ، وَمَواهِبُ مُتَأَلِّقَةٌ، وَقِرَاءَةٌ جَارِفَةٌ، وَكُتُبٌ مُتَدَاوَلَةٌ، وَفِكْرٌ مُسْتَنِيرٌ، وَسَبْقٌ فِي الإِبْدَاعِ وَالمَعْرِفَةِ، يَتَوَجَّهُ بِهِ النَّاسُ إِلَى أَزَمَاتِ مُجْتَمَعِهِمْ، فَيَبْتَكِرُونَ لِتِلْكَ الأَزَمَاتِ حُلُولًا تَسْتَنْفِرُ الطَّاقَاتِ، وَتَسْتَخْرِجُ الثَّروَاتِ، وَتُحْيِي مِنَ الهِمَمِ مَا مَات.
اللَّهُمَّ زِدْنَا قُوَّةً عَلَى قُوَّةٍ وَبَصِيرَةً عَلَى بَصِيرَةٍ وَتَوْفِيقًا عَلَى تَوْفِيق وَابْسُطْ فِي بِلَادِنَا بِسَاطَ القُوَّةِ وَالأَمَانِ وَالرَّخَاءِ.
0 تعليق