هذا عنوان أحد الكتب المهمة فى تاريخ مصر الحديث، لمؤلفه بيير كرابيتس، وإسماعيل المقصود هنا هو الخديو إسماعيل. ويمثل الكتاب مراجعة دقيقة للصورة النمطية التى أُلصِقَت بتاريخ هذا الخديو، خاصةً من الكتابات الإنجليزية والتركية، وانتقلت هذه الصورة النمطية إلى الكتابات المصرية بعد وقوع الاحتلال الإنجليزى لمصر فى عام ١٨٨٢، بعد عزل الخديو إسماعيل بأمر من السلطان العثمانى عام ١٨٧٩، وبضغط من الدول الأوروبية، ومجىء ابنه ضعيف الشأن، الخديو توفيق، الذى حدث فى عهده الاحتلال البريطانى.
الأخطر من ذلك هو تصوير الخديو إسماعيل من خلال السينما المصرية على أنه الحاكم اللاهى وراء النساء، والذى أغرق البلاد فى الديون وسرق خيرات البلاد! ولا يندرج حديثنا هنا ضمن إطار النوستالجيا إلى العصر الملكى التى تسيطر على أذهان البعض الآن، على العكس فنحن ننتقد موقف الخديو توفيق من الثورة العرابية، وترحيبه بالاحتلال الإنجليزى. لكن ما نريده هنا هو رد الاعتبار لشخصية مهمة ومؤثرة فى تأسيس الدولة الحديثة فى مصر، ربما تأتى بعد محمد على فى هذا الشأن.
ويُتَّهَم الخديو إسماعيل بأنه أغرق مصر فى الديون، وأنه استولى على الجزء الأكبر من هذه الأموال لصالحه ولصالح معيته، والحق أن الذمة المالية للخديو إسماعيل لم تكن على هذا النحو. بالفعل قام إسماعيل بالاستدانة، لكن هذه الديون كانت قابلة للسداد من عوائد القطن المصرى، الذهب الأبيض فى ذلك الزمان. وفى تلك الأثناء وقعت الحرب الأهلية الأمريكية، التى أدت إلى حظر على صادرات القطن من الولايات الجنوبية التى انفصلت عن الولايات المتحدة، فانتعشت بورصة القطن، وارتفعت أسعاره بشدة، وعقد إسماعيل العديد من الديون بضمان ذلك. لكن إنجلترا على وجه الخصوص وعيناها على الاستيلاء على أسهم قناة السويس، وأيضًا ضمان الحصول على القطن، المادة الخام الضرورية لمصانعها للنسيج، قررت الضغط على إسماعيل، وتلاعبت فى بورصة القطن العالمية، وانهارت أسعار القطن المصرى، وعجز إسماعيل عن سداد الديون كالمعتاد، ورُفِضَت كل محاولة لإعادة جدولة الديون؛ إذ كان المطلوب عزل إسماعيل، والتدخل فى شئون مصر، تمهيدًا لاحتلالها.
الأمر الآخر أن إسماعيل لم يستغل أموال الديون لصالحه أو لصالح معيته، وإنما وظفها فى مشاريع الاستثمار والتنمية فى مصر، وكان أكبر هذه المشاريع تأسيس القاهرة الحديثة.
ويتضح ذلك جليًا من خلال الكتاب المهم الذى وضعته سينثيا مينتى تحت عنوان «قاهرة إسماعيل: باريس على ضفاف النيل»، وقامت مؤرخة العمارة المصرية جليلة القاضى بالتقديم لهذا الكتاب المهم. وتوضح المؤلفة أن هدف إسماعيل «أن يفعل مع القاهرة ما فعله هاوسمان مع باريس. ولكن بدلًا من أن يهدم إسماعيل الأحياء القديمة كما فعل هاوسمان فى باريس، كان قراره بناء مدينة جديدة إلى الغرب مباشرة من المدينة القديمة».
وتُلقى المؤلفة ضوءًا مهمًا على الحظ التعيس لإسماعيل واتهامه بالديون؛ إذ تعترف أن «نابليون الثالث وهاوسمان قد تسببا كذلك فى ديون كبيرة من أجل بناء باريس الحديثة»، لكن الدائنين تسامحوا مع نابليون إلى حدٍ كبير فى أمر هذه الديون، على أساس أنه استثمار كبير يعالج الكساد الاقتصادى، بينما لم يتم التسامح مع إسماعيل بشأن هذه الديون لمطامع استعمارية فى مصر.
على أى حال وفى نهاية الأمر كسبت مصر منطقة «وسط البلد» التى تؤكد جليلة القاضى تفردها، وتستند إلى وصف الأديب الكبير نجيب محفوظ لمعشوقته وسط البلد بأنها «هذا الجمال الذى لا يحتمل»!
0 تعليق